بقلم: نسمة مصطفى، رئيسة قسم دراسات التعليم العالي والتنقل الطلابي في المجلس الثقافي البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أصدر المجلس الثقافي البريطاني تقريرًا يتناول مجموعة من الدراسات التحليلية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل قطر، مصر والإمارات العربية المتحدة. يُبرز التقرير الإمكانات الكبيرة للتوسع في التعليم البريطاني العابر للحدود داخل هذه البلدان، كما يسلط الضوء على العوامل الأساسية التي تساهم في دعمه وضمان استمراريته على المدى الطويل.
استند البحث إلى دراسات أجريت في قطر، مصر والإمارات العربية المتحدة لتطوير إطار عمل مستدام للتعليم العابر للحدود، وقد حدد خمسة عوامل رئيسية لنجاح هذا النوع من التعليم، منها: تحقيق المنافع المشتركة والجدوى المالية وتعزيز الشراكات واتساعها وتطوير القيادات وبناء الثقة وتعزيز التواصل الفعّال.
تسلط دراسات الحالة في قطر، على توافق مبادرات التعليم العابر للحدود بشكل استراتيجي مع أهداف الحكومة واحتياجات السوق المحلي؛ ويظهر ذلك جليًا من خلال الشراكات بين جامعة قطر وجامعة نورثمبريا وجامعة لانكستر في المملكة المتحدة وأكاديمية الشرطة في قطر. أما في مصر، تسلط دراسات الحالة في جامعة عين شمس والجامعة البريطانية الضوء على كيفية توسيع مبادرات التعليم للفرص التعليمية وتحسين جودتها من خلال تقديم الشهادات المزدوجة وانتشار الفروع الجامعية الدولية.
أما في الإمارات العربية المتحدة، تركز الجهود على تعزيز فرص التوظيف وجذب الطلاب الدوليين ومواءمة البرامج الأكاديمية مع احتياجات سوق العمل لتحقيق نمو مستدام. فعلى سبيل المثال، تحافظ جامعة برمنغهام في دبي على توافق المعايير الأكاديمية العالية مع تلك المعتمدة في مقرها الرئيسي، بينما تترجم جامعة ميدلسكس دبي نجاحها المالي من خلال معدلات التسجيل المرتفعة والبرامج التعليمية المبتكرة.
قطر: التركيز على تأهيل الكفاءات لسوق العمل
تتميز قطر بدخل فرد مرتفع يبلغ 87,480 دولارًا، مما يعزز قدرتها على الاستثمار في التعليم. على الرغم من التحديات الناتجة عن قلة عدد السكان، شهدت الدولة نموًا ملحوظًا في أعداد الطلاب المسجلين في برامج التعليم العابر للحدود التابع للمملكة المتحدة، بحيث ارتفع العدد بنسبة 73% بين عامي 2018 و2023. وشمل ذلك زيادة كبيرة بنسبة 100% في عدد الطلاب الجامعيين، إلى جانب تركيز كبير على برامج الدراسات العليا التي تمثل 54% من إجمالي التسجيلات، مما يعكس التوجه نحو تعزيز البحث العلمي والتعليم المتقدم في المستقبل.
شراكة جامعة نورثمبريا مع أكاديمية قطر للمال والأعمال
أُنشئت هذه الشراكة في العام 2016 بهدف تطوير المهارات وتعزيز المعرفة في قطاع الأعمال في قطر، وتوفر برامج أكاديمية تشمل ثلاث درجات جامعية وثلاث درجات دراسات عليا في مجالي المحاسبة والتمويل، مما يسهم في تلبية احتياجات السوق المحلي.
بفضل الدور القيادي لجامعة نورثمبريا في صياغة الاستراتيجيات الدولية، إلى جانب دعم أكاديمية قطر للمال والأعمال التي توفر الوصول إلى مهارات متقدمة وموارد وأساليب تعليمية عالية الجودة، تُساهم هذه الشراكة في إعداد الطلاب لدخول سوق العمل. واللافت أن الكثير من الخريجين يختارون البقاء والعمل في قطر بعد إتمام دراستهم، مما يعكس تأثير البرامج على تعزيز الكفاءات المحلية.
إلى جانب ذلك، لعبت شراكة الجامعة مع بنك قطر للتنمية دورًا كبيرًا في دعم المجتمع القطري، خاصة من خلال برامج ريادة الأعمال. أسهمت هذه الشراكة في تعزيز المساواة بين الجنسين ودفع عجلة الاستدامة الاقتصادية، إلى جانب تزويد القطاع المصرفي والمالي بالمهارات والخبرات اللازمة للنمو والتطور.
منذ انطلاقتها الناجحة، تطورت الشراكة بين جامعة نورثمبريا وأكاديمية قطر للمال والأعمال إلى علاقة استراتيجية طويلة الأمد، مع خطة تمتد حتى العام 2028.
شراكة جامعة سنترال لانكشاير (UCLan) مع أكاديمية الشرطة القطرية
بعد اندلاع حريق مجمع فيلاجيو التجاري العام 2012، وما تبعه من مراجعة خارجية أجرتها خدمات الإطفاء والإنقاذ في المملكة المتحدة، برزت الحاجة إلى تعزيز تدريب عناصر الدفاع المدني القطري، وعليه انطلقت الشراكة بين جامعة سنترال لانكشاير (UCLan) وأكاديمية الشرطة في قطر في العام 2016 وركزت هذه الشراكة في بدايتها على تطوير مهارات إدارة السلامة من الحرائق.
بعد أن استلمت وزارة الداخلية القطرية إدارة الكلية عقب جائحة كوفيد-19، توسعت الشراكة لتشمل مجالات جديدة مثل هندسة السلامة من الحرائق وإدارة الطوارئ والأزمات. نتيجة لذلك، تم تأسيس فرع تعليمي جديد يعتمد على برامج جامعة لانكستر كجزء أساسي من المناهج التي يقدمها.
تُقدَّم هذه البرامج من قبل أعضاء هيئة التدريس في جامعة لانكستر داخل قطر، وتشمل درجة البكالوريوس في أربعة تخصصات رئيسية: القانون وعلوم الشرطة والهندسة الدولية للسلامة من الحرائق وإدارة السلامة الدولية من الحرائق وإدارة الطوارئ والكوارث.
عوامل نجاح التعليم العابر للحدود
يعود النجاح المبكر للمملكة المتحدة في التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مجموعة من العوامل التي تلبي الاحتياجات الفريدة للطلاب الطموحين في مختلف دول المنطقة. مع إنشاء إطار عمل مستدام للتعليم العابر للحدود يعتمد على ركائز أساسية واضحة، سيصبح هذا الإطار أداة قيمة لمساعدة مؤسسات التعليم العالي في المملكة المتحدة وشركائها الدوليين على تطوير شراكات متوازنة ومستدامة. كما سيساهم في توسيع نطاق هذه الشراكات في سياقات متنوعة، مما يضمن استمرار نجاح التعليم في المنطقة.