د. عمر الأنصاري: جامعة قطر منارة تعليمية ترفد الوطن بالكفاءات والكوادر الوطنية


د. عمر الأنصاري: جامعة قطر منارة تعليمية ترفد الوطن بالكفاءات والكوادر الوطنية

تعد جامعة قطر أول مؤسسة تعليم عالٍ وطنية في قطر، انطلقت بكلية وحيدة للتربية عام 1973 وصدر قرار تأسيسها عام 1977، ومنذ ذلك الحين وهي تتطور؛ ترسَخ جذورها وتنمو غصونها وتتفرع حتى صارت رائدة في التعليم العالي والبحث العلمي وتحظى بمكانة رفيعة في الشرق الأوسط والعالم كله، إذ احتلت المركز الثاني على مستوى العالم العربي والمركز (208) على مستوى العالم حسب تصنيف (QS) للعام 2022، وحصلت عشرات البرامج والكليات فيها على الاعتماد من مؤسسات دولية متعددة ومتنوعة من المملكة المتحدة وكندا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها. وكان آخر تلك الاعتمادات الاعتماد المؤسسي من مؤسسة (واسك) الأمريكية.

خطوات النجاح

جامعة قطر كما يقول رئيسها الدكتور عمر الأنصاري خطت خطوات كبيرة جدا في بناء البنية التحتية، فشيدت المباني والمختبرات والمراكز البحثية وسكن الأساتذة والطلبة، ولعل آخرها كان مبنى كلية التربية ومبنى كلية القانون ومبنى الأنشطة الطلابية فضلا عن تجهيز مئات المواقف للسيارات وتحويل مساحات واسعة من الحرم الجامعي إلى مساحات خضراء بالنباتات والأشجار، وحصلت في عام 2022 على لقب (مدينة تعليمية صحية) من منظمة الصحة العالمية نتيجة لما توفره من بيئة أكاديمية مثالية وصحية سليمة. وكذلك طورت المناهج والمقررات وبعض الأنظمة والبرامج التي كان لها دور كبير في الانتقال بالعملية التعليمية من الأساليب التقليدية إلى ما هو قائم على البحث والتجربة والتقنية، وفي التحول من المعاملات الورقية إلى المعاملات الإلكترونية وتقليل نسبة استهلاك الورق وتيسير المعاملات وسرعة إنجازها، واستحدثت مكتب التعليم الرقمي والتعليم الإلكتروني وأنجزت عددا من المقررات الإلكترونية. وعلى صعيد التخطيط الاستراتيجي انتقلت الجامعة إلى استراتيجية العمل بالخطط الخمسية، واستكملت مؤخرا تطبيق استراتيجية 2018-2023 (من الإصلاح إلى التحول) التي اشتملت على عدد كبير من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها الجامعة قبل خمس سنوات، وأنجزت الخطة الاستراتيجية الخمسية 2023-2027 التي سيبدأ تطبيقها مطلع العام القادم وستنقل الجامعة نقلة نوعية مميزة.
إن جامعة قطر تتسم بالتميز الأكاديمي والابتكار، وقد أعدت (محاور للتميز وسمات للخريج) وتعمل جاهدة بما تمتلكه من إمكانات وكوادر علمية وإدارية متميزة لتوفير برامج دراسية متنوعة ومتعددة وملبية لمتطلبات العصر في بيئة أكاديمية وتعليمية ملهمة تحقق تلك المحاور والسمات، وتشجع الطلاب على الاستكشاف والتعلم المستمر، وتعزز البحث العلمي الرائد والمساهمة في توسيع آفاق المعرفة ونتائجها، وفي توفير متطلبات التنمية المستدامة واقتصاد المعرفة.

شراكات وتطلعات

ولم يقتصر تطورها على شؤونها الداخلية، بل فتحت الباب واسعا للتعاون والشراكة مع المؤسسات الأخرى الأكاديمية وغير الأكاديمية، ووقعت عددا من المذكرات واتفاقيات التعاون والتفاهم والشراكات مع مؤسسات داخل الدولة وخارجها بقصد فتح الآفاق أمام مزيد من الفرص للجامعة ومنتسبيها تدريبا وأبحاثا وتعاونا علميا وتوظيفا.
وتتطلع جامعة قطر إلى أن تكون قبلة للطلبة من داخل قطر ومن خارجها من الطلبة العرب والأجانب وأن تتقدم أكثر على سلالم التصنيف العالمي للجامعات الذي تجريه مؤسسات دولية عدة، وأن تكون بيت الخبرة والاستشارة ومصنع الأجيال التي تحسن بناء المستقبل ومواجهة التحديات والعقبات، والنهوض بالوطن والارتقاء به وفق الرؤية الوطنية الطموحة له ليكون له مكانته المتميزة التي يستحقها بين الدول المتقدمة. وكذلك تتطلع إلى إنجاز عدد من المشاريع داخل الجامعة كالمباني التي هي قيد الإنشاء والتطوير الآن مثل مبنى الإدارة العليا، وإنجاز مبانٍ جديدة لكل من كلية الطب والشريعة والصيدلة والمختبرات ومبنى مخزن الكيماويات ومباني المختبرات ومصنع الخضروات داخل مزرعة جامعة قطر وحديقة جامعة قطر وغير ذلك. إلى جانب التوسع في مباني السكن الطلابي والمرافق الرياضية وتحديثها والتوسع فيها باستمرار لتلبية الطلب المتزايد الناتج من تزايد أعدا طلبة جامعة قطر كل عام. كما تتطلع إلى التوسع الجوهري في البرامج الأكاديمية وإدخال تخصصات جديدة لا بد منها لمستقبل مشرق لوطننا وعدم الاقتصار والتوقف على التخصصات التقليدية المعروفة، وافتتاح أقسام وبرامج جديدة تلبي احتياجات سوق العمل ومتطلبات الرؤية الوطنية والنهضة الشاملة لوطن يسعى أن يكون في الصدارة دائما.
وللجامعة خطط وتطلع إلى زيادة عدد الأبحاث العلمية كما ونوعا وزيادة حضور منتسبي جامعة قطر في التأثير العالمي في البحث العلمي والاستشهاد الأكاديمي لتبرز جامعة قطر وتعرف وتشهر بأنها واحدة من أهمّ الجامعات في العالم في إنتاج المعرفة والأفكار المبدعة التي يمكن أن تنعكس إيجابا على الحياة الإنسانية في الوقت الحاضر ومستقبلا. كما تتطلع جامعة قطر إلى أن يبلغ أثرها العلمي والإنساني والاجتماعي إلى كل نفس وبيت ومصنع ومعمل ومؤسسة ومشروع على أرض الوطن بل أن يتخطى أثرها الحدود فتكون لها بصماتها المؤثرة على مختلف الصعد وميادين الحياة، وكلنا ثقة بأنها ستحقق ذلك، فهي قادرة عليه، وتمتلك من الإمكانات والسمعة ما يؤهلها لذلك ويجعلها تسير بخطى ثابتة نحو ما تطمح إليه.

مسيرة الجامعة وإنجازاتها من البداية حتى قمم النجاح والشهرة

نجحت جامعة قطر منذ تأسيسها إلى يومنا هذا في تحقيق سلسلة من الإنجازات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي تعززت بمرور الوقت، فمن كلية واحدة محلية وبرامج محددة إلى جامعة دولية مرموقة لها مكانتها بين الجامعات العربية والعالمية نتيجة التقدم الكبير الذي أنجزته في مسيرتها، فهي تقدم برامج دراسية متنوعة وذات جودة عالية في مختلف التخصصات الأكاديمية وتوفر لها مناهج تعليمية حديثة وتقنيات تعليمية وبحثية مبتكرة، فقد انطلقت الجامعة بكلية التربية فقط، واليوم لديها 11 كلية لعل آخرها كلية التمريض التي ترفد القطاع الصحي بكوادر مؤهلة إلى جانب شقيقتها كلية الطب والصيدلة والعلوم الصحية، وافتتحت مركز التعليم الرقمي وعددا من المراكز البحثية التي تقدم رؤى ودراسات وأبحاثاً تخدم رؤية الجامعة والأولويات الوطنية، كما افتتحت دار نشر جامعة قطر لتنشر الدراسات والأبحاث العلمية الجادة ليكون أثر الجامعة عالميا، فضلا عن إطلاق عدد كبير من البرامج الأكاديمية التي يصل مجموعها إلى (120) برنامجا، منها (50) على مستوى البكلوريوس، و(70) على مستوى الدراسات العليا، لتلبية حاجات سوق العمل ومتطلبات النهضة والرؤية الوطنية 2030.

براءات الاختراع

لقد حصلت الجامعة على عدد من براءات الاختراع تجاوزت (70) براءة في مجالات متعددة، وأنجزت مئات بل آلاف البحوث النظرية والعلمية التي ازدادت في السنوات الأخيرة كمَّاً ونوعاً، مركزة في توجهاتها البحثية على محاور أساسية أهمها: ترسيخ ثقافة البحث العلمي والابتكار، ودعم البحث والإبداع في ميادين بحثية تشكل أولويات وطنية، والتركيز على الاستدامة والتميز واقتصاد المعرفة، ونحن نفخر بها لكونها قد حققت إنجازات مهمة في مجال البحث العلمي والابتكار أسهمت في توسيع حدود المعرفة والتطور التكنولوجي، وذلك بفضل الكوادر العلمية والبحثية لديها، فمثلا كرمت الجامعة أكثر من 80 عالما عن عام 2020، وأكثر من 65 عالما عن عام 20221 كانوا من الباحثين المؤثرين عالميا من خلال الاستشهاد بأبحاثهم، فكانت أسماؤهم ضمن نسبة 2 % على مستوى العالم، وذلك حسب تصنيف جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية ودراسة لها شملت مئة ألف باحث من مختلف دول العالم.
وكان لطلاب جامعة قطر نصيب كبير في هذا المجال، فقد حققوا نجاحات كبيرة في مركز جامعة قطر للعلماء الشباب، وحصدوا ميداليات ذهبية وفضية في الأعوام الأخيرة، فمن ذلك مثلا أن ثمانية من الطلاب في مركز جامعة قطر للعلماء الشباب فازوا بثمانية جوائز من بين 500 مشروع مشارك في المعرض الدولي للاختراع والابتكار والتكنولوجيا 2021 (ITEX) الذي أقامه الاتحاد الدولي لجمعيات المخترعين ومعهد الهندسة والتكنولوجيا في ماليزيا. وكذلك حصد عدد من طلاب كلية الهندسة ميداليات ذهبية وفضية في المعرض الدولي السادس للابتكار (ISIF 21) الذي نُظِّم في تركيا، وكذلك فازت إحدى طالبات الجامعة (بينة المري) بالميدالية الذهبية من بين 608 مشاريع مقدمة من 61 دولة في فعاليات الدورة السادسة لمسابقة الاختراع والابتكار (iCan 2021) التي أقيمت برعاية جمعية تورونتو للابتكار والمهارات المتقدمة في كندا. وغير ذك كثير مما يدل على أن المستقبل في هذا الميدان سيكون واعدا ومبشرا بإذن الله.

القطاع الزراعي

وأنجزت الجامعة إنجازات كثيرة على الصعيد المحلي تمثلت بعشرات الأبحاث والمشاريع والأوراق البحثية والمؤتمرات والندوات العلمية إضافة إلى ذلك بدأت جامعة قطر بالتعاون مع شركة (METAVISIONARIES) بهدف الدخول إلى عالم الفضاء الرقمي وتدوين اسم قطر وأثرها في هذا الجانب. وأصدرت جامعة قطر بالتعاون مع وزارة البلدية عددا من الكتب منها التعداد الزراعي في قطر 2021 الإحصاءات الزراعية، وكتاب تقدير التكاليف والإنتاجية وصافي العائد في القطاع الزراعي (نباتي-حيواني) 2022، وتسعى الجامعة إلى إدخال التكنولوجية الحديثة واستخدامها في الأبحاث وإلى إنشاء بنك بذور خاص بنباتات قطر الأصلية ووضع البصمة الوراثية الخاصة بها لإشهارها عالميا والاستفادة منها في قضايا الاستدامة والأمن الغذائي. وأنجزت كثيرا من الأبحاث والمشاريع المتعلقة بالبيئة في مركز العلوم البيئية في الجامعة، وكثيرا من أبحاث الأساتذة والطلاب المتعلقة بالزراعة وسعي الدولة إلى تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر معشبة جامعة قطر التي تعد أقدم معشبة في قطر وتضم 3200 عينة نباتية وهي في تطور مستمر، ومنها مشروع مادة هلامية لدعم الأمن الغذائي، ومشروع روبوت للمحافظة على المسطحات الخضراء، ومشروع الشعاب المرجانية الاصطناعية، ومشروع زراعة الطحالب، ومشروع إطالة عمر الفاكهة.

الصعيد الرياضي

وفي المجال الرياضي الذي تقدمت فيه قطر تقدما كبيرا أذهل العالم وأدهشه، كان لجامعة قطر بفضل ما تمتلكه من مرافق رياضية وكوادر علمية حضور قوي جدا أسهم في نجاح بطولة كأس العالم قطر 2022، وتمثل بعدد من المشاريع المهمة إلى جانب استضافة بعض الفرق المشاركة إقامة وتدريبا، ومن ذلك مثلاً إنجاز دراسات متعلقة بإنتاج نظام التبريد المبتكر في الملاعب، فالملاعب مبردة مكيفة يمكن التحكم بدرجات حرارة مثالية داخل الملعب للاعبين والجماهير، مع أن البطولة تقام في وقت يكون الجو في قطر معتدلا تتراوح درجة الحرارة فيه حول 20 درجة. وكذلك طورت كلية الهندسة في جامعة قطر بالتعاون مع اللجنة العليا للمشاريع والارث أنظمة ذكية للإدارة والتحكم بالجمهور، تتكون من عناصر عدة لحساب عدد الجمهور وتقنية التعرف على الأوجه وكشف الأحداث غير الطبيعية. فضلا عن عشرات الأبحاث والندوات والمؤتمرات واللقاءات الإعلامية العلمية حول هذا المجال.

تصنيفات دولية

وتقدمت جامعة قطر على صعيد التصنيف الدولي والاعتماد الأكاديمي تقدما كبيرا جدا، فمثلا حسب تصنيف مؤسسة (QS) للعام 2022 احتلت جامعة قطر المركز (208) عالميا متقدمة (16) مركزا عن العام 2021، واحتلت المركز الثاني على الجامعات العربية حسب تصنيف مؤسسة (QS) للعام 2022 ومؤسسة التايمز للتعليم العالي (THE) للعام 2021، وجاء تصنيفها صمن أفضل (600) جامعة على مستوى العالم حسب التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU) للعام 2022 الذي أصدرته منظمة تصنيف شنغهاي، وصُنِّفت جامعة قطر ضمن أفضل ست جامعات في مؤشر التوقعات الدولية للعام السابع على التوالي حسب تصنيف مؤسسة التايميز للتعليم العالي (THE)، وجاء تصنيفها ضمن أفضل (25) جهة تقدِّم أداء عالميا حسب مؤشر (U-Multirank) الخاص بالمنشورات الدولية المشتركة الصادر 2021. وما هذا إلا نتائج في السنوات الأخيرة وهو غيض من فيض وقد جاء نتيجة طبيعية للإنجازات الأكاديمية للجامعة وتحقيق المعايير الدولية التي تعتمدها المؤسسات الدولية في التصنيف العالمي.
وقد أعلنت جامعة قطر مؤخرا عن تعاونها مع منصة جوجل السحابية (Google Cloud) لتسريع التحول الرقمي للجامعة ضمن اتفاقية العمل مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك لتوفير حلول تقنية سحابية متطورة وتزويد منتسبيها بالحلول التكنولوجية المبتكرة التي تعزز التعلم والبحث والعمل الإداري وتحسين المخرجات البحثية والتعليمية والأكاديمية بصفة عامة وتحليل البيانات وزيادة الموارد مما يشكل نقطة تحول مهمة في تاريخ الجامعة ومسيرتها.
وكل هذا ليس إلا إشارات يسيرة وإضاءات على مسيرة الجامعة وبعض إنجازاتها، وهي سترتقي أكثر وتتقدم بشكل أكبر كل عام، ويتوقع لها أن تكون إحدى أهم الجامعات العالمية تعليما وبحثا ومكانة وأثرا ومقصدا للطلبة والباحثين.

جامعة قطر مصنع الكوادر والكفاءات

جامعة قطر بوصفها الجامعة الأم ومؤسسة التعليم العالي الأولى كان هدفها الأول منذ إنشائها هو بناء الإنسان المتعلم المتسلح بالعلوم والمعارف وإعداد الكوادر الوطنية من الخريجين والخريجات في مختلف التخصصات العلمية والأدبية التي تعد الأساس في تحقيق أي نهضة وطنية كما تعد المؤشر على نجاح الجامعة ونهضتها وتقدمها، وقد خرجت الجامعة حتى الآن (46) دفعة في كل دفعة تزداد الأعداد وتتنوع الاختصاصات، وتجاوزت أعداد الخريجين (64) ألفا إضافة إلى آخر دفعة 2023 التي كان عدد الخريجين فيها يقرب من أربعة آلاف خريج وخريجة. والحقيقة أن دور هؤلاء الخريجين لم يقتصر على نهضة الجامعة وحدها، بل امتد ليشمل كل المؤسسات والوزارات والمشاريع في عموم أنحاء الدولة، فلا تكاد إحداها تخلو من خريج من خريجي جامعة قطر، بل ربما كانت الغالبية المؤثرة فيها من خريجيها، فرئيس الوزراء وكثير من الوزراء والمديرين والقيادات من خريج جامعة قطر.
وتسعى الجامعة منذ نشأتها إلى استقطاب القطريين الأكفاء والمتميزين لتعيينهم معيدين وابتعاثهم لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه من أفضل الجامعات العالمية، واستضافت لأجل هذا الكراسي العلمية في تخصصات عدة، مثل كرسي اليونسكو في تحلية مياه الشرب، وفي العلوم البحرية بمركز علوم البيئة، وكرسي الإيسيسكو لحوار الحضارات في كلية الشريعة وغير ذلك. وقد آتى ذلك ثماره فكان من بين هؤلاء أساتذة وباحثون متميزون لهم بصماتهم، ولعل هذا يسهم كثيرا في تطبيق خطة التقطير في الجامعة وخارجها، وهناك زيادة واضحة في عدد الأكاديميين القطريين وصلت إلى 22 % تقريبا من نسبة الأكاديميين في الجامعة، وأما الإداريون فالغالبية العظمى من الكوادر الوطنية ومن خريجي جامعة قطر أيضا، إضافة إلى بعض الخريجين في الجامعات الأخرى في داخل الدولة. وربما سيتجلى دورهم أكثر في نهضة الجامعة في تحويل الأفكار الإبداعية لهم وللأساتذة والطلبة إلى مشاريع إنتاجية على أرض الواقع عبر شركة جامعة قطر القابضة التي أسسناها لهذا الغرض، وذلك في جميع المجالات سواء أكانت تقنية أم علمية أم رياضية أم زراعية تدعم الجهود الوطنية الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال إجراء التجارب الزراعية كالزراعة المائية وغيرها مما تضمنته مزرعة جامعة قطر، أم أي مجالات تسهم في تحقيق نهضة شاملة تقوم على المعرفة والاستدامة والاقتصاد المنتج للمعرفة، إيمانا من الجامعة بأن مكانتها تزداد كلما كان الخريجون أقوياء وقادرين على تحويل أفكارهم النظرية إلى مشاريع إنتاجية كانت النهضة للجامعة وللوطن أقوى وأكبر.
أيضا هؤلاء الخريجون جعلوا من الجامعة البيت الأول للخبرة والاستشارات العلمية والهندسية والفنية وغيرها سواء تم ذلك عبر الاتفاقيات أو في إطار التعاون بين الجامعة وغيرها من المؤسسات الأخرى أم عبر الاستشارات الفردية للخريجين العاملين في الجامعة. وكذلك كان لازدياد عدد الطلبة والخريجين أثر كبير في توسع الجامعة أفقيا وعموديا وفي تطوير بنيتها التحتية والتقنية وافتتاح كليات جديدة وبرامج متعددة وفي زيادة المنح البحثية وغيرها.

11 كلية في مختلف التخصصات الأدبية والعلمية من بينهم 5 كليات صحية

في الجامعة الآن (11) كلية، هي كلية التربية وكلية الآداب والعلوم وكلية الإدارة والاقتصاد وكلية القانون وكلية الهندسة وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وتجمع الكليات الصحية الذي يضم خمس كليات هي: كلية العلوم الصحية وكلية الطب وكلية التمريض وكلية الصيدلة وكلية طب الأسنان، وإلى جانبها ستة عشر مركز بحثيا هي: مركز الدراسات البيئية ومركز معالجة الغاز ومركز قطر للتنقل والسلامة المرورية ومركز المواد المتقدمة ومركز أبحاث حيوانات المختبر ومركز البحوث الحيوية الطبية ومركز جامعة قطر للعلماء الشباب ومختبر الكندي لأبحاث الحوسبة ومعهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية، وكذلك مركز دراسات الخليج الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة العربية، ومركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وغير ذلك.
أما البرامج فهي تصل إلى (120) برنامجا تشتمل على تخصصات كثيرة ومتنوعة على مستوى البكلوريوس والماجستير والدكتوراه تقوم على استراتيجية (النموذج التعليمي لجامعة قطر) التي انبنت على ثلاثة أركان رئيسة هي: إطار المؤهلات والنموذج التعليمي والنجاح الطلابي، ويقوم النموذج التعليمي على نقاط رئيسة وعلى أحدث النظريات العلمية والمستجدات وطبيعة المجتمع القطري وريادة الأعمال والابتكار وتعزيز المفاهيم لدى الطلبة داخل القاعات الدراسية وخارجها.
والجامعة دائما في طور البدء باستراتيجية جديدة وهي تقوم بمراجعة البرامج القائمة والتخطيط الأكاديمي لافتتاح كليات وأقسام وبرامج جديدة تستجيب لمتطلبات النهضة والرؤية الوطنية وسوق العمل ومعطيات الثورة الصناعية والتقنية التي يعيشها العالم، كالعمارة والتصميم ونظم المعلومات والإعلام والعلوم الرياضية والأمن السيبراني وعلوم الفضاء والعلوم الرياضية والطيران والذكاء الاصطناعي وغير ذلك من كليات وبرامج ستنطلق فور اعتمادها من مجلس الأمناء.
وثمة أفكار حول استحداث فروع جديدة للجامعة في جنوب الدوحة وفي الشمال لكن ذلك ربما سيكون في المستقبل البعيد لا القريب؛ لأن مثل هذه الفروع تحتاج متطلبات كثيرة جدا، فليس الهدف هو افتتاحها، بل توفير متطلبات أي خطوة تقوم بها الجامعة لضمان نجاحها واستمرارها.
جدير بالذكر أن الطاقة الاستيعابية للجامعة تضاعفت كثيرا عما كانت عليه قبل سنوات قليلة، وذلك بفضل التوسع الأفقي والعمودي في الكليات والتخصصات العلمية وفي المباني والمرافق وفي استقطاب الموظفين وأعضاء هيئة التدريس والباحثين.

دور بارز للأعمال البحثية في مسيرة جامعة قطر

لا شك أن الأعمال البحثية والعلمية هي الأساس في تطور المعرفة وتقدم الجامعة وتغيير مسيرتها نحو الأفضل بل في تغيير وجه الحياة بأكمله وتسهم في استقرار المجتمع ووعيه ورفاهيته وتوفير احتياجاته الكثيرة المتزايدة والمتغيرة بتغير معطيات الحياة، وتشكل ركيزة أساسية ومهمة في نشاطها الأكاديمي، وتؤدي الأبحاث التي تنتجها دورا مهما وكبيرا في تعزيز مكانة الجامعة محليا وعالميا وريادتها في إنتاج المعرفة وتصديرها وتصدرها المراكز المتقدمة بين نظيراتها في الدول الأخرى، بل إن الأبحاث العلمية تعد القائد الأساسي للتقدم والابتكار والاكتشافات الجديدة المذهلة في مختلف المجالات والتي تقدم حلولا جديدة مبتكرة للتحديات الحالية والمستقبلية؛ لهذا لم تعد جامعة قطر تقتصر في أولوياتها واهتماماتها على الجانب التعليمي وحده، بل صارت أيضا تركز كثيرا على الجانب العلمي والبحث، ومع أنها بدأت منذ عهد قريب لم يتجاوز خمسة عقود إلا أنها تفخر بأن لديها أساتذة وباحثين على مستوى العالم كان من بينهم أكثر من (120) باحثا صنفت أبحاثهم العلمية على أنها أكثر تأثيرا واستشهادا فكانوا ضمن نسبة 2 % عالميا في مختلف التخصصات العلمية، وقد كان لدعم الدولة الكبير للجامعة من خلال الصندوق القطري للبحث العلمي أثر كبير في ذلك، فقد حصل كثير من أساتذة الجامعة وباحثيها وطلبتها على منح بحثية، ومكَّن الجامعة من إنشاء المراكز البحثية المتخصصة المتعددة.

11500 ورقة بحثية مفهرسة نشرت بالتعاون مع 4000 مؤسسة بحثية

لقد عملت جامعة قطر على تفعيل البحث العلمي بهدف إثراء المعارف والعلوم والمساهمة في تطويرها وخدمة المجتمع الإنساني، ، كما شجعت الدراسات البينية بين التخصصات المختلفة فكانت هناك زيادة واضحة في نسبة مخرجات البحوث العلمية، فقد بلغ عدد الأوراق البحثية المنشورة بين عامي 2019-2023 أكثر من 11500 ورقة بحثية مفهرسة نشرت بالتعاون مع 4000 مؤسسة بحثية داخل قطر وخارجها، كما تجاوز عدد المشاريع البحثية المشتركة 500 مشروع، كانت مع أكثر من 350 مؤسسة تعليمية وبحثية في عدد من دول العالم.
ولا يقتصر البحث العلمي في الجامعة على العلوم الحديثة أو البحتة بل يشمل أيضا العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغات والآداب والدراسات الإسلامية والتي تعد أساسية في بناء الفكر وصناعة الوعي والحفاظ على الهوية الوطنية والخصوصية والمبادئ والقيم ولأعراف والتقاليد التي تشكل بمجموعها جزءا مهما من تراث الأمة غير المادي والذي يعد بمنزلة الذاكرة للأمة يعين على إدراك الحاضر والتخطيط للمستقبل وتنمية التفكير، وهل يكون التفكير إلا من حفظ الماضي وإدراك الحاضر واستشراف المستقبل، وإن كان الماضي -الذي هو الذاكرة- مفقودا فمن غير الممكن أن يكون إدراك الحاضر سليما والتخطيط للمستقبل جيدا؛ لهذا تعطي جامعة قطر للعلوم الإنسانية والاجتماعية بمختلف فروعها أهمية بالغة وتقدم لها كل أشكال الدعم المادي والمعنوي.
إن جامعة قطر تدرك أهمية البحث العلمي وأثره في بناء الإنسان والأوطان على حد سواء وفي بناء اقتصاد المعرفة والتنمية المستدامة لهذا تعمل على استقطاب العقول من داخل قطر وخارجها وتوفر لهم بيئة بحثية مناسبة وتقدم الدعم والمنح لهم كما افتتحت عددا من المراكز البحثية التي تعمل على إيجاد الحلول والوسائل الناجعة لمواجهة التحديات التي تواجهها قطر في مجالات البيئة والغاز والأمن السيبراني والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وأطلقت عددا من المجلات العلمية وأسست دار نشر جامعة قطر التي تعنى بنشر البحوث والدراسات والكتب لمنتسبي الجامعة.
ولأن البحث العلمي هو السبيل الوحيد لعيش المستقبل أسست جامعة قطر مركز جامعة قطر للعلماء الشباب؛ لأن هؤلاء الشباب هم قادة المستقبل الذين سيتابعون المسيرة ويحملون الرايةليسلموها للأجيال من بعدهم بعد أن يعدوهم الإعداد المناسب والأمثل للمرحلة التي تعقبهم والتي ستكون فيها التحديات أكبر وأصعب. ولهذا فإن البحث العلمي ومعطيات العلوم ومتطلبات المستقبل وتحدياته تفرض على الجامعة تطويرا مستمرا ومراجعة دائمة وتقدما لا يعرف التراجع أو الالتفات إلى الوراء، كما يفرض عليها إنجاز الأعمال البحثية التي تمكن من إيجاد الحلول المبتكرة لقضايا المجتمع وأفراده عامة وذلك بحكم موقعها ومكانتها والرسالة التي تحملها والرؤية التي تسير وفقها.