بقلم: حسن حاموش
يرتبط الإنسان ارتباطاً وثيقاً بمكان سكنه حيث تتأثر الطباع البشرية بالبيئة السكنية للمباني. ولذلك توقف الباحثون عند الطابع المعماري للمدن لتحديد هوية وطباع السكان واسلوب تعاملهم وتفكيرهم ، مما يجعل من هندسة المعمار هوية واسلوب حياة .
ومنذ غابر الزمان أرسى قدامى المعماريون قواعد وأسس البناء، فالرومان استندوا إلى فلسفة المعماري ماركو فيتروفيو الذي قال إن العمارة العظيمة يجب أن تتسم بثلاثة عناصر أساسية: «الأساس، والقوة، والفرح»، كان يعني بالأساس أن يقوم المبنى بوظيفته التي يحتاج إليها الناس، وبالقوة أن يحمي قاطنيه، وبالفرح لمحة الجمال التي تميز تصميمه.
وتبدو هندسة البناء أعمق بكثير مما نتصور فهي ترتكز على علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وتتطلب وقتاً طويلاً لفهم المجتمع والبيئة، حيث يرصد المعماريون احتياجاتنا من العمارة التي تعتبر فناً وعلماً في آن واحد .
وقد لانحتاج إلى جهد كبير لنكتشف كيف ينصهر الناس في اسلوب الحياة الذي يفرضه الطابع المعماري للمدن فمن يعيش في ظل الأبراج الشاهقة في نيويورك يختلف اسلوب حياته وسلوكه عمن يعيش في المدن التاريخية العريقة مثل البندقية في إيطاليا .
وهناك الكثير من المدن في الدول الصناعية التي بنيت على أساس توفير متطلبات الأعمال والتجارة بدون مراعاة متطلبات التواصل الاجتماعي والفكري والثقافي، فيما حافظت مدن كثيرة على طابعها الثقافي والتراثي وبقيت عاجزة عن مواكبة العصر والوفاء بمتطلباته .
في الدوحة يبدو الأمر مختلف كلياً وجوهرياً؛ حيث وضعت قطر خطة متكاملة للنهضة العمرانية استندت إلى معايير عالمية وضوابط تراثية تعزز الهوية الوطنية وفقاً لرؤية قطر 2030، فقد اجتهدت الوزارات المعنية والجهات المختصة بوضع أسس ومفاهيم البناء بعد دراسات مستفيضة لتكون أساساً للمخططات العمرانية .
وقد إتسمت النهضة العمرانية في قطر بنمط معماري مميز هو مزيج متجانس بين الماضي والحاضر، يتناغم التراث القطري مع أحدث التقنيات الصديقة للبيئة، ما يشكّل نموذجًا غنيًا وفريدًا. يعكس الالتزام بإحياء التراث والثقافة المحلية مع مواكبة لأحدث فنون البناء العصري وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذا الطابع نجده بشكل واضح في مدينة مشيرب قلب الدوحة التي أرست مفاهيم جديدة للبناء تحت مسمى «المبادئ السبعة». وكانت ثمرة 3 أعوام من البحث الدؤوب والتعاون مع مهندسين معماريين وأكاديميين، وخبراء التصميم المدني المرموقين ، لتقدم لسكان المدينة اسلوب حياة يحمل في طياته جوهر التراث القطري والهوية الثقافية مع تلبية كل متطلبات العصر من رفاهية وحياة اجتماعية.
الطابع المعماري القطري الفريد يتجلى أيضاً في مدينة لوسيل والحي الثقافي كتارا واللؤلؤة وغيرها حيث يعيش السكان تجربة رائعة باسلوب حياة مميز لايتوافر في مدن العالم، ذلك أن أفضل التصاميم المعمارية هي تلك التي تنجح في دمج الجماليات والوظائف والهوية الوطنية.